الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: إيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لَعَيْنِهِ خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ مُشْتَهًى يُوجِبُ الْحَدَّ.
الشَّرْحُ: كِتَابُ الزِّنَا هُوَ بِالْقَصْرِ لُغَةٌ حِجَازِيَّةٌ، وَبِالْمَدِّ لُغَةٌ تَمِيمِيَّةٌ، وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْمِلَلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ مِنْ أَفْحَشِ الْكَبَائِرِ، وَلَمْ يَحِلَّ فِي مِلَّةٍ قَطُّ، وَلِهَذَا كَانَ حَدُّهُ أَشَدَّ الْحُدُودِ، لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وَالشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا - وَهَذِهِ نُسِخَ لَفْظُهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا، وَقَدْ رَجَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةُ وَلَهُ حُكْمَانِ يَخْتَصَّانِ بِهِ: اشْتِرَاطُ أَرْبَعَةٍ فِي الشَّهَادَةِ، وَإِيجَابُ مِائَةِ جَلْدَةٍ، وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ (إيلَاجُ) حَشَفَةٍ أَوْ قَدْرِهَا مِنْ (الذَّكَرِ) الْمُتَّصِلِ الْأَصْلِيِّ مِنْ الْآدَمِيِّ الْوَاضِحِ، وَلَوْ أَشَلَّ وَغَيْرَ مُنْتَشِرٍ وَكَانَ مَلْفُوفًا فِي خِرْقَةٍ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَصَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ خِلَافًا لِلدَّيْلَمِيِّ (بِفَرْجٍ) أَيْ: قُبُلِ أُنْثَى وَلَوْ غَوْرَاءَ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَارِقًا بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي بَابِ التَّحْلِيلِ مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا بِبِنَاءِ التَّحْلِيلِ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ (مُحَرَّمٍ) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (لَعَيْنِهِ) أَيْ: الْإِيلَاجُ (خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ) الْمُسْقِطَةِ لِلْحَدِّ (مُشْتَهًى) طَبْعًا بِأَنْ كَانَ فَرْجُ آدَمِيٍّ حَيٍّ، وَقَوْلُهُ (يُوجِبُ الْحَدَّ) هُوَ خَبَرٌ عَنْ قَوْلِهِ إيلَاجٌ، وَالْحَدُّ هُوَ الْجَلْدُ وَالتَّغْرِيبُ عَلَى غَيْرِ الْمُحْصَنِ، وَالرَّجْمُ عَلَى الْمُحْصَنِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَخَرَجَ بِمُتَّصِلٍ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَبِالْأَصْلِيِّ الزَّائِدِ، وَبِالْآدَمِيِّ وَالْوَاضِحُ مَنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ أَوْ مُشْكِلٍ فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، وَبِنَفْسِ الْأَمْرِ مَا لَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ظَانًّا أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ فَلَا حَدَّ ، وَمَا بَقِيَ مِنْ مُحْتَرَزَاتِ قُيُودِ الْحَدِّ يَأْتِي فِي الْمَتْنِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَا فِي الْحَدِّ مِنْ الْإِجْحَافِ، قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ زِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: خَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ لِخُرُوجِ الشُّبْهَةِ بِقَيْدِ التَّحْرِيمِ، فَإِنَّ وَطْءَ الشُّبْهَةِ لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ. لَكِنَّ الشُّبْهَةَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: شُبْهَةُ فَاعِلٍ كَأَنْ يَكُونَ جَاهِلًا، وَشُبْهَةُ مَحَلٍّ كَظَنٍّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَشُبْهَةُ جِهَةٍ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ، وَاَلَّذِي لَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ هُوَ الْقِسْمُ الْأَوَّلُ.
المتن: وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَقُبُلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ وَوَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ ثَنَى ذَكَرَهُ وَأَدْخَلَ قَدْرَ الْحَشَفَةِ، فَفِي تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ تَوَقُّفٌ، وَإِلَّا رُجِّحَ التَّرْتِيبُ إنْ أَمْكَنَ ا هـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي الْحَشَفَةِ حَيْثُ كَانَتْ مَوْجُودَةً أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ إدْخَالُ غَيْرِهَا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: قَدْرُ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ (وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَ) دُبُرُ (أُنْثَى) أَجْنَبِيَّةٍ (كَقُبُلٍ) لِلْأُنْثَى فَيَجِبُ بِالْإِيلَاجِ فِي كُلٍّ مِنْ الدُّبُرَيْنِ الْمُسَمَّى بِاللِّوَاطِ الْحَدُّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) فَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَيُجْلَدُ غَيْرُهُ وَيُغَرَّبُ؛ لِأَنَّهُ زِنًى بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} وَقَالَ تَعَالَى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ} وَفِي قَوْلٍ يُقْتَلُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِحَدِيثِ {مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ. وَعَلَى هَذَا يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ كَالْمُرْتَدِّ. وَقِيلَ إنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ فَقَطْ كَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ دُبُرَ عَبْدِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. هَذَا حُكْمُ الْفَاعِلِ. وَأَمَّا الْمَفْعُولِ بِهِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا مَهْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ بُضْعِ الرَّجُلِ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ وَإِنْ كَانَ مُكَلَّفًا مُخْتَارًا جُلِدَ وَغُرِّبَ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ إحْصَانٌ. وَقِيلَ تُرْجَمُ الْمَرْأَةُ الْمُحْصَنَةُ. أَمَّا وَطْءُ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فِي دُبُرِهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ وَاجِبَهُ التَّعْزِيرُ إنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْفِعْلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَلَا تَعْزِيرَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ، وَالزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ فِي التَّعْزِيرِ مِثْلُهُ سَوَاءٌ، وَاحْتُرِزَ بِإِيلَاجٍ عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ (وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ) بِإِعْجَامِ الذَّالِ، وَلَا بِإِيلَاجِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ، وَلَا بِإِيلَاجِهَا فِي غَيْرِ فَرْجٍ كَسُرَّةٍ، وَلَا بِمُقَدَّمَاتِ وَطْءٍ، وَلَا بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ يُعَزَّرَانِ، وَلَا بِاسْتِمْنَائِهِ بِيَدِهِ، بَلْ يُعَزَّرُ. أَمَّا بِيَدِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَمَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْعَزْلِ (وَ) اُحْتُرِزَ بِمُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ عَنْ (وَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ) وَنِفَاسٍ (وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ) وَاسْتِبْرَاءٍ فَلَا حَدَّ بِهِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ لِعَيْنِهِ بَلْ لِأُمُورٍ عَارِضَةٍ.
المتن: وَكَذَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ، وَكَذَا مَمْلُوكَتِهِ الْمَحْرَمِ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: قَدْ يَخْرُجُ بِمُحَرَّمٍ وَطْءُ حَرْبِيَّةٍ بِقَصْدِ الْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُهَا بِذَلِكَ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ الْقَفَّالِ فِي بَابِ السَّرِقَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى سَرِقَةِ الْعَيْنِ، وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ إلَى الْقَفَّالِ، وَاحْتُرِزَ بِخَالٍ عَنْ الشُّبْهَةِ الْمَحَلُّ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ (وَكَذَا أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ) وَالْمُشْتَرَكَةِ (وَالْمُعْتَدَّةِ) مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَجُوسِيَّةَ وَالْوَثَنِيَّةَ وَالْمُسْلِمَةَ وَهُوَ ذِمِّيٌّ فَلَا حَدَّ بِوَطْئِهَا جَزْمًا، وَقِيلَ فِي الْأَظْهَرِ (وَكَذَا مَمْلُوكَتِهِ الْمَحْرَمِ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ كَأُخْتِهِ مِنْهُمَا أَوْ بِمُصَاهَرَةٍ كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ فَلَا حَدَّ بِوَطْئِهَا فِي الْأَظْهَرِ كَمَا سَيَأْتِي لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ ذَلِكَ فِيمَنْ يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَأُخْتِهِ. أَمَّا مَنْ لَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ عَلَيْهَا كَالْأُمِّ وَالْجَدَّةِ فَهُوَ زَانٍ قَطْعًا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاحْتُرِزَ عَنْ شُبْهَةِ الْفَاعِلِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ.
المتن: وَمُكْرَهٍ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَمُكْرَهٍ) فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ {رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ} وَقَوْلُهُ (فِي الْأَظْهَرِ) رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ، لَكِنَّهُ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي الْمُكْرَهِ بِالْأَصَحِّ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ شُبْهَةِ الْفَاعِلِ بِمَا إذَا وَجَدَ امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ فَوَطِئَهَا عَلَى ظَنٍّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ. وَالثَّانِي يُحَدُّ فِيهِمَا. أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُسْتَبَاحُ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ اللِّوَاطَ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ وَطْءَ أَمَتِهِ الْمُحَرَّمَ فِي دُبُرِهَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ وَإِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ أَنَّهُ يُوجِبُهُ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَاخْتِيَارٍ، وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ التَّرَدُّدُ فِي تَصْوِيرِ الْإِكْرَاهِ فِي الزِّنَا، وَالصَّحِيحُ تَصْوِيرُهُ؛ لِأَنَّ الِانْتِشَارَ تَقْتَضِيهِ الطَّبِيعَةُ عِنْدَ الْمُلَابَسَةِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الرَّجُلِ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ قَطْعًا. قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ. فَائِدَةٌ: فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِامْرَأَةٍ جَهَدَهَا الْعَطَشُ فَمَرَّتْ عَلَى رَاعٍ فَاسْتَسْقَتْهُ فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ فَشَاوَرَ النَّاسَ فِي رَجْمِهَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ مُضْطَرَّةٌ أَرَى أَنْ يُخَلَّى سَبِيلُهَا فَفَعَلَ، وَكَانَ الْأَوْلَى تَأْخِيرَ الْمُكْرَهِ إلَى قَوْلِهِ: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ فَيَقُولُ وَالِاخْتِيَارُ، وَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ عَدَمَ الْخِلَافِ فِي أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُحَرَّمِ جَارٍ فِيهَا.
المتن: وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا أَمَتُهُ الْمُشْتَرَكَةُ فَبَانَتْ أَجْنَبِيَّةً حُدَّ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ احْتِمَالَيْنِ نَقَلَهُمَا تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ عَنْ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ الِامْتِنَاعُ، وَقِيلَ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّهُ أَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ لِأَنَّهُ ظَنَّ مَا لَوْ تَحَقَّقَ رُفِعَ عَنْهُ الْحَدُّ، وَاحْتُرِزَ عَنْ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا قَوْلُهُ (وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَهَا) أَيْ: قَالَ بِالْوَطْءِ بِهَا (عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ) فَقَطْ كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ، أَوْ بِلَا وَلِيٍّ فَقَطْ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ، أَوْ بِوَلِيٍّ وَشُهُودٍ، وَلَكِنَّهُ مُؤَقَّتٌ وَهُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ كَمَا قَالَ بِهِ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَا حَدَّ بِالْوَطْءِ فِيهِ (عَلَى الصَّحِيحِ) وَإِنْ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ، وَقِيلَ: يَجِبُ عَلَى مُعْتَقِدِ التَّحْرِيمِ دُونَ غَيْرِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ عَلَى مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ أَيْضًا كَمَا يُحَدُّ الْحَنَفِيُّ عَلَى شُرْبِ النَّبِيذِ، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ نَسْخُهُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ لَا يُقَارِنَهُ حُكْمٌ، فَإِنْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِبُطْلَانِهِ حُدَّ قَطْعًا، أَوْ حَنَفِيٌّ أَوْ مَالِكِيٌّ بِصِحَّتِهِ لَمْ يُحَدَّ قَطْعًا، وَالضَّابِطُ فِي الشُّبْهَةِ قُوَّةُ الْمُدْرَكِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لَا عَيْنِ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، فَلَوْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ حُدَّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ حِلُّ ذَلِكَ. وَيَجِبُ فِي الْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ. قَالَ الْقَاضِي: إلَّا فِي الدَّنِيئَةِ فَلَا حَدَّ فِيهَا لِخِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ الشُّبْهَةِ مَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَيَجِبُ الْحَدُّ بِوَطْئِهَا كَمَا فِي سِيَرِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَحَقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ النَّفَقَةُ لَا الْإِعْفَافُ، وَاحْتُرِزَ بِمُشْتَهًى عَمَّا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ.
المتن: وَلَا بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَهِيمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَا) حَدَّ (بِوَطْءِ مَيِّتَةٍ فِي الْأَصَحِّ) وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً فِي الْحَيَاةِ خِلَافًا لِمَا فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ. لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَنْفِرُ الطَّبْعُ عَنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الزَّجْرِ عَنْهُ بِحَدٍّ كَشُرْبِ الْبَوْلِ بَلْ يُعَزَّرُ. وَالثَّانِي: يُحَدُّ بِهِ كَوَطْءِ الْحَيَّةِ، وَلَا يَجِبُ فِيهِ مَهْرٌ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَأْنِفُ مِلْكًا (وَلَا) بِوَطْءِ (بَهِيمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَأْبَاهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى زَاجِرٍ بِحَدٍّ بَلْ يُعَزَّرُ، وَفِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَيْسَ عَلَى الَّذِي يَأْتِي الْبَهِيمَةَ حَدٌّ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَالثَّانِي يُقْتَلُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوهَا مَعَهُ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ، وَالثَّالِثُ: يُحَدُّ حَدَّ الزِّنَا فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا الْبَهِيمَةُ الْمَفْعُولُ بِهَا فَفِيهَا أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا لَا تُذْبَحُ، وَقِيلَ: تُذْبَحُ إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً، وَقِيلَ تُذْبَحُ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ ذَلِكَ: فَقِيلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ مُشَوَّهِ الْخَلْقِ، فَعَلَى هَذَا لَا تُذْبَحُ إلَّا إذَا كَانَتْ أُنْثَى، وَقَدْ أَتَاهَا فِي الْفَرْجِ، وَقِيلَ إنَّ فِي بَقَائِهَا تِذْكَارًا لِلْفَاحِشَةِ فَيُعَيَّرُ بِهَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ، فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً وَذُبِحَتْ حَلَّ أَكْلُهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَيْثُ وَجَبَ الذَّبْحُ وَالْبَهِيمَةُ لِغَيْرِ الْفَاعِلِ لَزِمَهُ لِمَالِكِهَا إنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَمَذْبُوحَةً، وَإِلَّا لَزِمَهُ جَمِيعُ الْقِيمَةِ، وَقِيلَ: لَا شَيْءَ لِصَاحِبِهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ شَرْطَ الشُّبْهَةِ: أَنْ تَكُونَ قَوِيَّةَ الْمُدْرَكِ مُسْقِطَةً لِلْحَدِّ لِيَخْرُجَ أَيْضًا شُبْهَةُ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلزِّنَا فَلِذَلِكَ قَالَ:
المتن: وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَيُحَدُّ فِي) وَطْءِ (مُسْتَأْجَرَةٍ) لِلزِّنَا بِهَا لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ وَالْعَقْدِ، وَعَقْدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ وَلَا يُورِثُ شُبْهَةً مُؤَثِّرَةً كَمَا لَوْ اشْتَرَى خَمْرًا فَشَرِبَهَا، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شُبْهَةٌ، وَعُورِضَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ شُبْهَةً لَثَبَتَ النَّسَبُ، وَلَا يَثْبُتُ اتِّفَاقًا. فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يُرَاعَ خِلَافُهُ هُنَا كَمَا مَرَّ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ؟ أُجِيبَ بِضَعْفِ مُدْرَكِهِ هُنَا.
المتن: وَمُبِيحَةٍ وَمَحْرَمٍ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا.
الشَّرْحُ: (وَ) يُحَدُّ أَيْضًا فِي وَطْءِ (مُبِيحَةٍ) فَرْجَهَا لِلْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ. وَتُحَدُّ هِيَ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَ) فِي وَطْءِ (مَحْرَمٍ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا) لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مَحَلًّا لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةٌ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِتَحْرِيمِهِ ا هـ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْحَدُّ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا إلَى خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْعَقْدِ شُبْهَةٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: يُقْتَلُ وَيُؤْخَذُ مَالُهُ لِحَدِيثٍ فِيهِ صَحَّحَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ. فُرُوعٌ: لَوْ ادَّعَى الْجَهْلَ بِتَحْرِيمِ الْمَوْطُوءَةِ بِنَسَبٍ لَمْ يُصَدَّقْ لِبُعْدِ الْجَهْلِ بِذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إلَّا إنْ جَهِلَ مَعَ ذَلِكَ النَّسَبَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا كَذِبُهُ فَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ، أَوْ بِتَحْرِيمِهَا بِرَضَاعٍ فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ تَصْدِيقُهُ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، أَوْ بِتَحْرِيمِهَا بِكَوْنِهَا مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً وَأَمْكَنَ جَهْلُهُ بِذَلِكَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَحُدَّتْ هِيَ دُونَهُ إنْ عَلِمَتْ تَحْرِيمَ ذَلِكَ، وَيُحَدُّ فِي وَطْءِ نِكَاحِ أُخْتٍ نَكَحَهَا عَلَى أُخْتِهَا، وَفِي وَطْءِ مَنْ ارْتَهَنَهَا، وَفِي وَطْءِ مُسْلِمَةٍ نَكَحَهَا وَهُوَ كَافِرٌ، وَوَطِئَ عَالِمًا بِالْحَالِ، وَفِي وَطْءِ وَثَنِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ نَكَحَهُمَا مُسْلِمٌ، وَيُحَدُّ فِي وَطْءِ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا وَذَاتِ زَوْجٍ وَمُلَاعَنَةٍ وَمُعْتَدَّةٍ لِغَيْرِهِ وَمُرْتَدَّةٍ، وَلَوْ زَنَى مُكَلَّفٌ بِمَجْنُونَةٍ أَوْ نَائِمَةٍ أَوْ مُرَاهِقَةٍ حُدَّ، وَلَوْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مَجْنُونًا أَوْ مُرَاهِقًا أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ حُدَّتْ، وَلَا تُحَدُّ خَلِيَّةٌ حُبْلَى لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا أَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تُقِرَّ بِهِ، لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يَجِبُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
المتن: وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ.
الشَّرْحُ: (وَشَرْطُهُ) أَيْ إيجَابِ حَدِّ الزِّنَا رَجْمًا كَانَ أَوْ جَلْدًا فِي الْفَاعِلِ أَوْ الْمَفْعُولِ بِهِ (التَّكْلِيفُ) فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِارْتِفَاعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَلَكِنْ يُؤَدِّبُهُمَا وَلِيُّهُمَا بِمَا يَزْجُرُهُمَا، وَلَوْ زَنَى وَعِنْدَهُ أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ فَبَانَ بَالِغًا هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا؟ حَكَى الرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ قَوْلَهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ) فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، لَكِنْ إنَّمَا يُقْبَلُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الدَّعَاوَى، فَإِنْ نَشَأَ بَيْنَهُمْ وَادَّعَى الْجَهْلَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ وَجَهِلَ الْحَدَّ أَنَّهُ يُحَدُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَبَقِيَ مِنْ الشُّرُوطِ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ لِيَخْرُجَ الْحَرْبِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ. وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَعُلِمَ مِمَّا مَرَّ.
المتن: وَحَدُّ الْمُحْصَنِ: الرَّجْمُ، وَهُوَ: مُكَلَّفٌ حُرٌّ، وَلَوْ ذِمِّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، لَا فَاسِدٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَتَكْلِيفِهِ، وَأَنَّ الْكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ.
الشَّرْحُ: (وَحَدُّ) الزَّانِي (الْمُحْصَنِ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (الرَّجْمُ) حَتَّى يَمُوتَ بِالْإِجْمَاعِ وَتَظَافُرِ الْأَخْبَارِ فِيهِ كَرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ، وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا رَجْمَ عَلَى الْمَوْطُوءِ فِي دُبُرِهِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِيلَاجُ فِي دُبُرِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ حَتَّى يَصِيرَ بِهِ مُحْصَنًا فَحَدُّهُ كَحَدِّ الْبِكْرِ، وَالْإِحْصَانُ لُغَةً الْمَنْعُ. وَشَرْعًا جَاءَ بِمَعْنَى الْإِسْلَامِ وَالْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعِفَّةِ وَالتَّزْوِيجِ، وَوَطْءُ الْمُكَلَّفِ الْحُرِّ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُحْصَنُ (مُكَلَّفٌ) لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الْإِحْصَانِ بَعْدَ اشْتِرَاطِهِ فِي مُطْلَقِ وُجُوبِ الْحَدِّ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَوْ سَكْرَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ (حُرٌّ) فَالرَّقِيقُ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَمُبَعَّضًا وَمُسْتَوْلَدَةً، لِأَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ، وَالرَّجْمُ لَا نِصْفَ لَهُ (وَلَوْ) هُوَ (ذِمِّيٌّ) أَوْ مُرْتَدٌّ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ الْيَهُودِيَّيْنِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُد: وَكَانَا قَدْ أَحْصَنَا. تَنْبِيهٌ: عَقْدُ الذِّمَّةِ شَرْطٌ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الذِّمِّيِّ لَا لِكَوْنِهِ مُحْصَنًا، فَلَوْ غَيَّبَ حَرْبِيٌّ حَشَفَتَهُ فِي حَالِ حِرَابَتِهِ فِي نِكَاحٍ وَصَحَّحْنَا أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ مُحْصَنٌ حَتَّى لَوْ عُقِدَتْ لَهُ ذِمَّةٌ فَزَنَى رُجِمَ وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُرْتَدُّ، وَخَرَجَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّا لَا نُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَى عَلَى الْمَشْهُورِ (غَيَّبَ) الْمُكَلَّفُ وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ قَبْلَ أَنْ يَزْنِيَ (حَشَفَتَهُ) مِنْ ذَكَرِهِ الْأَصْلِيِّ الْعَامِلِ وَلَوْ مَعَ لَفِّ خِرْقَةٍ خِلَافًا لِمَا فِي الْمَطْلَبِ، أَوْ غَيَّبَهَا غَيْرُهُ وَهُوَ نَائِمٌ: أَوْ غَيَّبَ قَدْرَهَا إنْ فَقَدَهَا (بِقُبُلٍ) أَوْ وَطِئَتْ الْأُنْثَى فِيهِ (فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ)، لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مُرَكَّبَةٌ فِي النُّفُوسِ، فَإِذَا وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَلَوْ كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ فِي عِدَّةِ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ وَطِئَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ إحْرَامٍ فَقَدْ اسْتَوْفَاهَا، فَحَقُّهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْحَرَامِ، وَلِأَنَّهُ يَكْمُلُ طَرِيقُ الْحِلِّ بِدَفْعِ الْبَيْنُونَةِ بِطَلْقَةٍ أَوْ رِدَّةٍ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ: حَشَفَتَهُ عَمَّا لَوْ غَيَّبَ بَعْضَهَا، وَأَمَّا مَفْقُودُهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يُغَيِّبَ قَدْرَهَا، وَبِالْقُبُلِ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِهِ عَلَى الْمُحَرَّرِ عَنْ الدُّبُرِ، فَلَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ فِيهِ، وَبِالنِّكَاحِ عَنْ مِلْكِ الْيَمِينِ وَوَطْءِ الشُّبْهَةِ، وَبِالصَّحِيحِ عَنْ الْفَاسِدِ كَمَا قَالَ (لَا) فِي نِكَاحٍ (فَاسِدٍ)، فَإِنَّهُ فِيهِ غَيْرُ مُحْصَنٍ (فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّهُ حَرَامٌ، فَلَا يَحْصُلُ بِهِ صِفَةُ كَمَالٍ وَالثَّانِي وَعُزِيَ لِلْقَدِيمِ وَهُوَ مُحْصَنٌ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي الْعِدَّةِ وَالنَّسَبِ فَكَذَا فِي الْإِحْصَانِ. وَالْجُمْهُورُ قَطَعُوا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. تَنْبِيهٌ: هَذِهِ الشُّرُوطُ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الْوَاطِئِ تُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الْمَوْطُوءَةِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَنْصُوصُ (اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ) لِحَشَفَةِ الرَّجُلِ أَوْ قَدْرِهَا عِنْدَ قَطْعِهَا (حَالَ حُرِّيَّتِهِ) الْكَامِلَةِ (وَتَكْلِيفِهِ) فَلَا يَجِبُ الرَّجْمُ عَلَى مَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُوَ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ رَقِيقٌ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ وُقُوعُهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ؛ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِأَكْمَلِ الْجِهَاتِ وَهُوَ النِّكَاحُ الصَّحِيحُ، فَاعْتُبِرَ حُصُولُهُ مِنْ كَامِلٍ حَتَّى لَا يُرْجَمَ مِنْ وَطْءٍ وَهُوَ نَاقِصٌ كَمَا مَرَّ، ثُمَّ زَنَى وَهُوَ كَامِلٌ فَيُرْجَمُ مَنْ كَانَ كَامِلًا فِي الْحَالَيْنِ وَإِنْ تَخَلَّلَهُمَا نَقْصٌ كَجُنُونٍ وَرِقٍّ، فَالْعِبْرَةُ بِالْكَمَالِ فِي الْحَالَيْنِ. فَإِنْ قِيلَ: يُرَادُ إدْخَالُ الْمَرْأَةِ حَشَفَةَ الرَّجُلِ وَهُوَ نَائِمٌ وَإِدْخَالُهُ فِيهَا وَهِيَ نَائِمَةٌ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ لِلنَّائِمِ أَيْضًا كَمَا مَرَّ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ عِنْدَ الْفِعْلِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِ قَبْلَ النَّوْمِ، وَالثَّانِي: لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَطْءٌ يَحْصُلُ بِهِ التَّحْلِيلُ فَكَذَا الْإِحْصَانُ. تَنْبِيهٌ: سَكَتُوا عَنْ شَرْطِ الِاخْتِيَارِ هُنَا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ الْإِصَابَةُ وَالزَّوْجُ مُكْرَهٌ عَلَيْهَا وَقُلْنَا بِتَصَوُّرِ الْإِكْرَاهِ حَصَلَ التَّحْصِينُ وَهُوَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فِيهِ نَظَرٌ (وَ) الْأَصَحُّ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنَّهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَالْأَظْهَرُ (أَنَّ الْكَامِلَ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (الزَّانِي بِنَاقِصٍ) كَصَغِيرَةٍ (مُحْصَنٌ)، أَنَّهُ حُرٌّ مُكَلَّفٌ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَأَشْبَهَ مَا إذَا كَانَا كَامِلَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مُحْصَنًا؛ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَا يُصَيِّرُ أَحَدَ الْوَاطِئَيْنِ مُحْصَنًا، فَكَذَلِكَ الْآخَر كَمَا لَوْ وَطِئَ بِالشُّبْهَةِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَا يُفْهَمُ الْمُرَادُ مِنْهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِنَاقِصٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالزَّانِي أَوْ بِالْكَامِلِ، فَإِنْ عَلَّقْتَهُ بِالْأَوَّلِ فَسَدَ الْمَعْنَى، إذْ يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّ الْكَامِلَ إذَا زَنَى بِنَاقِصٍ مُحْصَنٍ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ مُرَادًا، وَإِنْ عَلَّقْتَهُ بِالثَّانِي يَصِيرُ قَوْلُهُ: الزَّانِي سَائِبًا، فَلَوْ قَالَ: وَإِنَّ الْكَامِلَ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَقْرَبَ إلَى الْمُرَادِ، وَمِنْ الشُّرَّاحِ مَنْ أَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَهُ: بِنَاقِصٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: وَإِنَّ الْكَامِلَ الزَّانِيَ إذَا كَانَ كَمَالُهُ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ، وَغَيَّرَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لَفْظَةَ الزَّانِي بِالْبَانِي أَيْ: النَّاكِحِ وَادَّعَى صِحَّةَ الْعِبَارَةِ بِذَلِكَ وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ: بَنَى عَلَى أَهْلِهِ، لَا بَنَى بِهِمْ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ.
المتن: وَالْبِكْرُ الْحُرُّ مِائَةُ جَلْدَةٍ
الشَّرْحُ: (وَالْبِكْرُ) وَهُوَ غَيْرُ الْمُحْصَنِ الْمُكَلَّفِ (الْحُرُّ) مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ حَدُّهُ (مِائَةُ جَلْدَةٍ) لِآيَةِ - {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} - وَلَاءً، فَلَوْ فَرَّقَهَا نُظِرَ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ الْأَلَمُ لَمْ يَضُرَّ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ خَمْسِينَ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ ضَرَّ، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْخَمْسِينَ حَدُّ الرَّقِيقِ، وَسُمِّيَ جَلْدًا لِوُصُولِهِ إلَى الْجِلْدِ.
المتن: وَتَغْرِيبُ عَامٍ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا، وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَتَغْرِيبُ عَامٍ) لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ عَطْفُهُ التَّغْرِيبَ بِالْوَاوِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قُدِّمَ التَّغْرِيبُ عَلَى الْجَلْدِ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ. وَقَالَ: إنَّهُ خِلَافُ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ السَّلَفُ، وَأَفْهَمَ لَفْظُ التَّغْرِيبِ: أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَغْرِيبِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، حَتَّى لَوْ أَرَادَ الْإِمَامُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْكِيلُ وَلَمْ يَحْصُلْ، وَابْتِدَاءُ الْعَامِ مِنْ حُصُولِهِ فِي بَلَدِ التَّغْرِيبِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا، وَلَوْ ادَّعَى الْمَحْدُودُ انْقِضَاءَ الْعَامِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحْلِفُ اسْتِحْبَابًا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُثْبِتَ فِي دِيوَانِهِ أَوَّلَ زَمَانِ التَّغْرِيبِ، وَيُغَرَّبُ (إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ)، لِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْحَضَرِ لِتَوَصُّلِ الْأَخْبَارِ فِيهَا إلَيْهِ؛ وَالْمَقْصُودُ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ (فَمَا فَوْقَهَا) إنْ رَآهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ إلَى الشَّامِ، وَعُثْمَانَ إلَى مِصْرَ، وَعَلِيًّا إلَى الْبَصْرَةِ، وَلْيَكُنْ تَغْرِيبُهُ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ فَلَا يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ إرْسَالًا (وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُغَرَّبِ (طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ)، لِأَنَّ ذَلِكَ أَلْيَقُ بِالزَّجْرِ، وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَالثَّانِي: لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيحَاشُهُ بِالْبُعْدِ عَنْ الْوَطَنِ.
المتن: وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ مُنِعَ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَوْ غُرِّبَ عَلَى الْأَوَّلِ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ، فَهَلْ يُمْنَعُ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يُمْنَعُ، لِأَنَّهُ امْتَثَلَ وَالْمَنْعُ مِنْ الِانْتِقَالِ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَمَا صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيمَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ لِيَكُونَ كَالْحَبْسِ لَهُ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَالنُّزْهَةِ يُحْمَلُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِبَلَدِ الْغُرْبَةِ غَيْرُ بَلَدِهِ، لِأَنَّ مَا عَدَاهُ بِلَادُ غُرْبَةٍ، وَبِقَوْلِهِ: فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهَا، بَلْ فِي غَيْرِ جَانِبِ بَلَدِهِ فَقَطْ عَلَى مَا عُرِفَ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ جَارِيَةً يَتَسَرَّى بِهَا مَعَ نَفَقَةٍ يَحْتَاجُهَا، وَكَذَا مَالٌ يَتَّجِرُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ أَهْلَهُ وَعَشِيرَتَهُ، فَإِنْ خَرَجُوا مَعَهُ لَمْ يُمْنَعُوا، وَلَا يُعْتَقَلُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ كَمَا قَالَاهُ، لَكِنْ يُحْفَظُ بِالْمُرَاقَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِهِ لِئَلَّا يَرْجِعَ إلَى بَلْدَتِهِ أَوْ إلَى مَا دُونَ الْمَسَافَةِ مِنْهَا، لَا لِئَلَّا يَنْتَقِلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يُمْنَعْ، فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الِاعْتِقَالِ خَوْفًا مِنْ رُجُوعِهِ إلَى مَا ذُكِرَ اُعْتُقِلَ، وَكَذَا إنْ خِيفَ مِنْ تَعَرُّضِهِ لِلنِّسَاءِ وَإِفْسَادِهِنَّ فَإِنَّهُ يُحْبَسُ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ كَفًّا لَهُ عَنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ عَادَ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ أَوْ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْهُ رُدَّ وَاسْتُؤْنِفَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ، إذْ لَا يَجُوزُ. تَفْرِيقُ سَنَةِ التَّغْرِيبِ فِي الْحُرِّ، وَلَا نِصْفِهَا فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِيحَاشَ لَا يَحْصُلُ مَعَهُ، وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّغْرِيبِ الْبَلَدُ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ رُدَّ إلَى الْغُرْبَةِ، ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْمُهَذَّبِ مَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُرَدُّ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ، وَأَشَارَ إلَى تَفَرُّدِهِ بِهِ وَلَمْ يَقِفْ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى نَقْلٍ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: الْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ قُلْنَا بِالِاسْتِئْنَافِ لَمْ يَتَعَيَّنْ. ذَلِكَ الْبَلَدُ (وَيُغَرَّبُ) زَانٍ (غَرِيبٌ) لَهُ بَلَدٌ (مِنْ بَلَدِ الزِّنَا) تَنْكِيلًا وَإِبْعَادًا عَنْ مَوْضِعِ الْفَاحِشَةِ (إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ إيحَاشُهُ وَعُقُوبَتُهُ وَعَوْدُهُ إلَى وَطَنِهِ يَأْبَاهُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا لِيَحْصُلَ مَا ذُكِرَ (فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ) الْأَصْلِيِّ (مُنِعَ مِنْهُ فِي الْأَصَحِّ) مُعَارَضَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْغَزَالِيِّ لَا وَجْهَ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمَتْنِ. وَلَوْ زَنَى الْغَرِيبُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَدَخَلَتْ مُدَّةُ بَقِيَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ الثَّانِي لِتَجَانُسِ الْحَدَّيْنِ، وَلَوْ زَنَى الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ مَقْصَدِهِ لِمَا مَرَّ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ. وَقَالَ لَا يُحْجَرُ عَلَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ، بَلْ إذَا رَأَى تَغْرِيبَهُ فِي جِهَةِ مَقْصَدِهِ لَمْ يُمْنَعْ، وَمَنْ لَا وَطَنَ لَهُ كَالْمُهَاجِرِ إلَيْنَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَتَوَطَّنْ بَلَدًا يُمْهَلُ حَتَّى يَتَوَطَّنَ ثُمَّ يُغَرَّبَ، وَهَذَا لَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الْقَاضِي: إنَّهُ يُغَرَّبُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي قَصَدَهُ، وَيُغَرَّبُ الْبَدَوِيُّ عَنْ حِلَّتِهِ وَقَوْمِهِ.
المتن: وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا فِي الْأَصَحِّ، بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ) زَانِيَةٌ (وَحْدَهَا فِي الْأَصَحِّ بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ) لِخَبَرِ {لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ مَحْرَمٌ} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ {لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ} وَلِأَنَّ الْقَصْدَ تَأْدِيبُهَا، وَالزَّانِيَةُ إذَا خَرَجَتْ وَحْدَهَا هَتَكَتْ جِلْبَابَ الْحَيَاءِ، وَالثَّانِي تُغَرَّبُ وَحْدَهَا لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَأَشْبَهَ سَفَرَ الْهِجْرَةِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْأُمِّ. وَقَالَ إنَّ النَّهْيَ عَنْ سَفَرِهَا وَحْدُهَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَلْزَمُهَا (وَلَوْ) لَمْ يَخْرُجْ الزَّوْجُ أَوْ الْمَحْرَمُ إلَّا (بِأُجْرَةٍ) لَزِمَهَا ذَلِكَ وَهُوَ فِي مَالِهَا عَلَى الْأَصَحِّ إذَا كَانَ لَهَا مَالٌ لِأَنَّهَا مِمَّا يُتِمُّ بِهَا الْوَاجِبُ كَأُجْرَةِ الْجَلَّادِ، وَلِأَنَّهَا مِنْ مُؤَنِ سَفَرِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الطَّرِيقُ أَمْنًا، وَإِلَّا فَلَا تُغَرَّبُ وَحْدَهَا جَزْمًا، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالنِّسْوَةِ الثِّقَاتِ وَهُوَ كَذَلِكَ مَعَ عَدَمِ أَمْنِ الطَّرِيقِ. وَأَمَّا مَعَ أَمْنِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَكْفِي قِيَاسًا عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَحْرَمِ. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَرُبَّمَا اكْتَفَى بَعْضُهُمْ بِوَاحِدَةٍ ثِقَةٍ ا هـ. وَالِاكْتِفَاءُ بِهَا هُوَ مَا فِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْأَصَحُّ وَالْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَجْمُوعِهِ فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْحَجِّ مَعَ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَهَذَا أَوْلَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ يُغَرَّبُ وَحْدَهُ وَلَوْ أَمْرَدَ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّ الْأَمْرَدَ الْحَسَنَ الَّذِي يُخَافُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ يَحْتَاجُ إلَى مَحْرَمٍ أَوْ نَحْوِهِ.
المتن: فَإِنْ امْتَنَعَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ امْتَنَعَ) مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ (بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْأَصَحِّ) كَمَا فِي الْحَجِّ، وَلِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيبَ مَنْ لَمْ يُذْنِبْ وَلَا يَأْثَمْ بِامْتِنَاعِهِ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَالثَّانِي يُجْبَرُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي إقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُؤَخَّرُ تَغْرِيبُهُمَا إلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ.
المتن: وَالْعَبْدِ خَمْسُونَ، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ سَنَةً، وَفِي قَوْلٍ لَا يُغَرَّبُ.
الشَّرْحُ: (وَ) حَدُّ غَيْرِ الْحُرِّ مِنْ (الْعَبْدِ) أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مُكَلَّفًا (خَمْسُونَ) جَلْدَةً، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ} وَالْمُرَادُ الْجَلْدُ لِأَنَّ الرَّجْمَ قَتْلٌ وَالْقَتْلُ لَا يَتَنَصَّفُ، وَرَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: " أَنَّهُ أُتِيَ بِعَبْدٍ وَأَمَةٍ زَنَيَا فَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ " إذْ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِجَامِعِ الرِّقِّ، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ لَعَمَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْمُكَاتَبَ وَأُمَّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضَ، وَاسْتَغْنَى عَمَّا قَدَّرْتُهُ، وَقِيلَ: إنَّ الْحَدَّ يُقَسَّطُ عَلَى الْمُبَعَّضِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَيَكُونُ عَلَى حُرٍّ النِّصْفُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْجَلْدِ (وَيُغَرَّبُ) مَنْ فِيهِ رِقٌّ (نِصْفَ سَنَةٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِأَنَّهُ يَتَبَعَّضُ فَأَشْبَهَ الْجَلْدَ، وَعَلَى التَّقْسِيطِ فِي الْمُبَعَّضِ يُغَرَّبُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ (وَفِي قَوْلٍ) يُغَرَّبُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ (سَنَةً) لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْحُرِّ وَغَيْرِهِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ (وَفِي قَوْلٍ لَا يُغَرَّبُ) لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ حَقِّ السَّيِّدِ، وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا أَهْلَ لَهُ فَلَا يَسْتَوْحِشُ بِالتَّغْرِيبِ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ إذَا أَلِفَ مَوْضِعًا شَقَّ عَلَيْهِ فِرَاقُهُ، وَلَا يُبَالِي بِحَقِّ السَّيِّدِ فِي الْعُقُوبَاتِ كَمَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ وَيُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ، وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي تَغْرِيبِ الْأَمَةِ خُرُوجُ مَحْرَمٍ مَعَهَا كَالْحُرَّةِ وَمُؤْنَةِ الْمُغَرَّبِ فِي مُدَّةٍ تَغْرِيبِهِ عَلَى نَفْسِهِ إنْ كَانَ حُرًّا، وَعَلَى سَيِّدِهِ إنْ كَانَ رَقِيقًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى مُؤْنَةِ الْحَضَرِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ زَنَى الْعَبْدُ الْمُؤَجَّرُ حُدَّ، وَهَلْ يُغَرَّبُ فِي الْحَالِ وَيَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارُ أَوْ يُؤَخَّرُ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَقْرُبُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ طُولِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَقِصَرِهَا قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءُ ذَلِكَ فِي الْأَجِيرِ الْحُرِّ أَيْضًا ا هـ. وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا يُغَرَّبُ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْغُرْبَةِ كَمَا لَا يُحْبَسُ لِغَرِيمِهِ إنْ تَعَذَّرَ عَمَلُهُ فِي الْحَبْسِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهَا حَبْسٌ فَإِنَّهَا تُحْبَسُ وَلَوْ فَاتَ التَّمَتُّعُ عَلَى الزَّوْجِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ لَا حَدَّ عَلَى الرَّقِيقِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْأَحْكَامَ بِالذِّمَّةِ إذْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالْمُعَاهَدِ وَالْمُعَاهَدُ لَا يُحَدُّ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ لِلْكَافِرِ أَنْ يَحُدَّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ، وَلِأَنَّ الرَّقِيقَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الْمُعَاهَدِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ لُزُومِ الْجِزْيَةِ عَدَمُ الْحَدِّ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ الذِّمِّيَّةِ.
المتن: وَيَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَثْبُتُ) الزِّنَا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ (بِبَيِّنَةٍ) عَلَيْهِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ لِآيَةِ {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ}. تَنْبِيهٌ: أَطْلَقَ الْبَيِّنَةَ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا التَّفْصِيلُ فَتُذْكَرُ بِمَنْ زَنَى لِجَوَازِ أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا، وَالْكَيْفِيَّةُ لِاحْتِمَالِ إرَادَةِ الْمُبَاشِرِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَتَتَعَرَّضُ لِلْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا وَقْتَ الزِّنَا فَيَقُولُونَ: رَأَيْنَاهُ أَدْخَلَ ذَكَرَهُ أَوْ قَدْرَ حَشَفَتِهِ مِنْهُ فِي فَرْجِ فُلَانَةَ عَلَى وَجْهِ الزِّنَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَقُومَ مَقَامَهُ زَنَى بِهَا زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانُوا عَارِفِينَ بِأَحْكَامِهِ، وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ لَفْظِ أَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ زَنَى وَيَذْكُرُ الْمَوْضِعُ، فَإِنَّهُمْ لَوْ اخْتَلَفُوا فِيهِ بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ.
المتن: أَوْ إقْرَارٍ مَرَّةً.
الشَّرْحُ: (أَوْ إقْرَارٍ) حَقِيقِيٍّ وَلَوْ (مَرَّةً) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ. تَنْبِيهٌ: أَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَرَّةً إلَى خِلَافِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ حَيْثُ اعْتَبَرَا الْإِقْرَارَ أَرْبَعًا لِحَدِيثِ مَاعِزٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَأَجَابَ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَرَّرَهُ عَلَى مَاعِزٍ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ شَكَّ فِي عَقْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ: {أَبِكَ جُنُونٌ}، وَلَمْ يُكَرِّرْهُ فِي خَبَرِ الْغَامِدِيَّةِ، وَيُعْتَبَرُ كَوْنُ الْإِقْرَارِ مُفَصِّلًا كَالشَّهَادَةِ فَلَا يَسْتَوْفِي الْقَاضِي الْحَدَّ بِعِلْمِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِيهِ مِنْ الْعَبْدِ بِعِلْمِهِ، أَمَّا الْإِقْرَارُ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ بَعْدَ نُكُولِ الْخَصْمِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الزِّنَا وَلَكِنْ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَأَوْرَدَ عَنْ طَرِيقٍ آخَرَ مُخْتَصٍّ بِالْمَرْأَةِ وَهُوَ مَا إذَا قَذَفَهَا الزَّوْجُ وَلَاعَنَ وَلَمْ تُلَاعِنْ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْحَدُّ كَمَا ذَكَرَاهُ فِي بَابِهِ. فُرُوعٌ: يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الْحَدِّ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِقْرَارِ بِالزِّنَا، وَإِنْ رُئِيَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّانِ تَحْتَ لِحَافٍ عُزِّرَا وَلَمْ يُحَدَّا، وَيُقَامُ الْحَدُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةً فِي نَحْوِ رِدَّةِ الْمَحْدُودَةِ وَالْتِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَيُسَنُّ لِلزَّانِي وَلِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً السَّتْرُ عَلَى نَفْسِهِ لِخَبَرِ {مَنْ أَتَى مِنْ هَذِي الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ مَنْ أَبْدَى لَنَا صَفْحَتَهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ} رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. فَإِظْهَارُهَا لِيُحَدَّ أَوْ يُعَزَّرَ خِلَافُ الْمُسْتَحَبِّ، وَأَمَّا التَّحَدُّثُ بِهَا تَفَكُّهًا فَحَرَامٌ قَطْعًا لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ يُسَنُّ لَهُ سِتْرُ ذَلِكَ بِتَرْكِ الشَّهَادَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِتَرْكِهَا إيجَابُ حَدٍّ عَلَى الْغَيْرِ كَأَنْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ بِالزِّنَا أَثِمَ الرَّابِعُ بِالتَّوَقُّفِ، وَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ كَقَتْلٍ أَوْ قَذْفٍ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَرِّبَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ لِمَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ التَّضْيِيقِ. وَيَحْرُمُ الْعَفْوُ عَنْ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّفَاعَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ {أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ فَقَالَ: إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَاَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا} رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
المتن: وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَقَرَّ) بِالزِّنَا (ثُمَّ رَجَعَ) عَنْهُ (سَقَطَ) الْحَدُّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّضَ لِمَاعِزٍ بِالرُّجُوعِ بِقَوْلِهِ: {لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ} فَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْحَدُّ لِمَا كَانَ لَهُ مَعْنًى، وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا رَجَمُوهُ قَالَ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَسْمَعُوا، وَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: {هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ؟} قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ، لَكِنْ لَوْ قُتِلَ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاتِلِهِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالرُّجُوعِ وَيَضْمَنُ بِالدِّيَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ بِهَا يُجَامِعُ الشُّبْهَةَ وَيَحْصُلُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِهِ: كَذَبْتُ، أَوْ رَجَعْتُ عَمَّا أَقْرَرْتُ بِهِ أَوْ مَا زَنَيْتُ أَوْ كُنْتُ فَاخَذْتُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ رَجَعَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْحَدِّ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ فَكَمَّلَ الْإِمَامُ مُتَعَدِّيًا بِأَنْ كَانَ يَعْتَقِدُ سُقُوطَهُ بِالرُّجُوعِ فَمَاتَ بِذَلِكَ، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، أَوْ تُوَزَّعُ الدِّيَةُ عَلَى السِّيَاطِ؟ قَوْلَانِ: أَقْرَبُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الثَّانِي كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ زَائِدًا عَلَى حَدِّ الْقَذْفِ وَيُسَنُّ لِمَنْ أَقَرَّ بِزِنًا أَوْ شَرِبَ مُسْكِرًا الرُّجُوعُ كَمَا يَسْتَتِرُ ابْتِدَاءً كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ. فُرُوعٌ: لَوْ قَالَ: زَنَيْتُ بِفُلَانَةَ فَأَنْكَرَتْ. وَقَالَتْ: كَانَ تَزَوَّجَنِي فَمُقِرٌّ بِالزِّنَا وَقَاذِفٌ لَهَا فَيَلْزَمُهُ حَدُّ الزِّنَا وَحَدُّ الْقَذْفِ، فَإِنْ رَجَعَ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا وَحْدَهُ، وَإِنْ زَنَيْتُ بِهَا مُكْرَهَةً لَزِمَهُ حَدُّ الزِّنَا لَا الْقَذْفُ وَلَزِمَهُ لَهَا مَهْرٌ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ سَقَطَ الْحَدُّ لَا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ، وَلَوْ شَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِالزِّنَا فَكَذَّبَهُمْ لَمْ يُقْبَلْ تَكْذِيبُهُ، لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلشُّهُودِ وَالْقَاضِي. وَلَوْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِقْرَارِ هَلْ يُحَدُّ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُحَدُّ لِبَقَاءِ حُجَّةِ الْبَيِّنَةِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةٌ فَرَدَّ أَرْبَعَةً، وَثَانِيهِمَا لَا إذْ لَا أَثَرَ لِلْبَيِّنَةِ مَعَ الْإِقْرَارِ. وَقَدْ بَطَلَ وَنَقَلَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فِي ذَلِكَ وَفِي عَكْسِهْ. وَقَالَ: الْأَصَحُّ عِنْدِي اعْتِبَارُ أَسْبَقِهِمَا، وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ شَيْخِي: أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى الْبَيِّنَةِ حَيْثُ وُجِدَتْ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَقْوَى كَمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْمَالِ أَقْوَى، إلَّا إذَا أُسْنِدَ الْحُكْمُ لِلْإِقْرَارِ، فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ، قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَتْ. تَنْبِيهٌ: قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ سُقُوطِ الْحَدِّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ كَمَا لَا يَسْقُطُ هُوَ وَلَا الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بِالتَّوْبَةِ، لَكِنْ اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ صُورَتَانِ: الْأُولَى مَا إذَا أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجِيَّةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ فِي السَّرِقَةِ مِمَّا يُخَالِفُهُ مَرْدُودٌ، الثَّانِيَة: الْإِسْلَامُ فَإِذَا ثَبَتَ زِنَا الذِّمِّيِّ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ: كَمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ آخِرَ السِّيَرِ.
المتن: وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ قَالَ) الْمُقِرُّ بِالزِّنَا (لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ) مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ (فَلَا) يَسْقُطُ عَنْهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِالْإِقْرَارِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالرُّجُوعِ، وَلَكِنْ يُكَفُّ عَنْهُ فِي الْحَالِ وَلَا يُتْبَعُ، فَإِنْ رَجَعَ فَذَاكَ وَإِلَّا حُدَّ، وَإِنْ لَمْ يُكَفَّ عَنْهُ فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِمْ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ شَيْئًا، وَالثَّانِي يَسْقُطُ لِإِشْعَارِهِ بِالرُّجُوعِ. تَنْبِيهٌ: لَا يُشْتَرَطُ حَيَاةُ الشُّهُودِ وَلَا حُضُورُهُمْ حَالَةَ الْحُكْمِ، وَلَا قُرْبَ عَهْدِ الزِّنَا فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِهِ، وَإِنْ تَطَاوَلَ الزَّمَانُ. وَلَمَّا فَرَغَ مِنْ مُسْقِطِ الْإِقْرَارِ بِالزِّنَا.
المتن: وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا.
الشَّرْحُ: شَرَعَ فِي مُسْقِطِ الْبَيِّنَةِ فَقَالَ: (وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ) مِنْ الرِّجَالِ (بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ) أَوْ رَجُلَانِ، كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ. (أَنَّهَا عَذْرَاءُ) بِمُعْجَمَةٍ: أَيْ: بِكْرٌ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَعَذُّرِ جِمَاعِهَا وَصُعُوبَتِهِ (لَمْ تُحَدَّ هِيَ) لِشُبْهَةِ بَقَاءِ الْعُذْرَةِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا أَنَّهَا لَمْ تُوطَأْ (وَلَا قَاذِفُهَا) لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَاهَا، وَاحْتِمَالُ عَوْدِ بَكَارَتِهَا لِتَرْكِ الْمُبَالَغَةِ فِي الِافْتِضَاضِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ غَوْرَاءَ يُمْكِنُ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ حُدَّتْ لِثُبُوتِ الزِّنَا وَعَدَمِ التَّنَافِي ا هـ. وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْلِيلِ: أَنَّ التَّحْلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَكْمِيلِ اللَّذَّةِ، وَلَا الشُّهُودُ أَيْضًا. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} قَالَ الْقَاضِي: وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِلَا خِلَافٍ. تَنْبِيهٌ: مَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ حَدِّ قَاذِفِهَا قَيَّدَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ بِمَا إذَا كَانَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ زَمَنٌ بَعِيدٌ يُمْكِنُ عَوْدُ الْعُذْرَةِ فِيهِ، فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهَا زَنَتْ السَّاعَةَ وَشَهِدْنَ بِأَنَّهَا عَذْرَاءُ وَجَبَ الْحَدُّ، وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَأَرْبَعٌ بِأَنَّهَا رَتْقَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهَا حَدُّ الزِّنَا، وَلَا عَلَيْهِمْ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ رَمَوْا مَنْ لَا يُمْكِنُ جِمَاعُهُ.
المتن: وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوِيَةً لِزِنَاهُ، وَالْبَاقُونَ غَيْرَهَا لَمْ يَثْبُتْ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ) مِنْ الْأَرْبَعَةِ (زَاوِيَةً) مِنْ زَوَايَا الْبَيْتِ (لِزِنَاهُ، وَ) عَيَّنَ (الْبَاقُونَ) مِنْهُمْ زَاوِيَةً (غَيْرَهَا لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ: الْحَدُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى زَنْيَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: زَنَى بِالْغَدَاةِ، وَبَعْضُهُمْ: بِالْعَشِيِّ.
المتن: وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ سُقُوطِ الْحَدِّ عَنْ الْقَاذِفِ، وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَدَمُ سُقُوطِهِ، وَيَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الشُّهُودِ فِي الْأَظْهَرِ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ لَمْ يُتِمَّ فِي زَنْيَةٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَا يَبْعُدُ عَدَمُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ إذَا تَقَارَبَتْ الزَّوَايَا لِإِمْكَانِ الزَّحْفِ مَعَ دَوَامِ الْإِيلَاجِ (وَ) بَعْدَ ثُبُوتِ حَدِّ الزِّنَا (يَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ (أَوْ نَائِبُهُ) فِيهِ (مِنْ) زَانٍ (حُرٍّ) لِلِاتِّبَاعِ (وَ) مِنْ (مُبَعَّضٍ) لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْحُرِّ مِنْهُ، وَالْحَدُّ مُتَعَلِّقٌ بِجُمْلَتِهِ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْمُبَعَّضِ الْعَبْدُ الْمَوْقُوفُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بِنَاءً عَلَى الْأَظْهَرِ أَنَّ الْمُلْكَ فِيهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَعَبْدُ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَبْدُ مَحْجُورِهِ، وَمُسْتَوْلَدَةُ الْكَافِرِ، وَالْعَبْدُ الْمُوصَى بِإِعْتَاقِهِ إذَا زَنَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَقَبْلَ إعْتَاقِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ: كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَكْسَابَهُ لَهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَمُعْتَبَرُ الْحُرِّيَّةِ حَالَ الْوُجُوبِ، وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ حُرٌّ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ أَقَامَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْحَدَّ دُونَ سَيِّدِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ غَيْرُهُ، فَلَوْ اسْتَوْفَى الْجَلْدَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَمْ يَقَعْ حَدًّا وَلَزِمَهُ الضَّمَانُ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ يَخْتَلِفُ وَقْتًا وَمَحَلًّا فَلَا يَقَعُ حَدٌّ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ، بِخِلَافِ الْقَطْعِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَإِنَّمَا لَمْ يُفَوِّضْ لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يَسْتَوْفُونَهُ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ. قَالَ الْقَاضِي: وَلَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى لَوْ ضُرِبَ لِمُصَادَرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ حُدُودٌ لَمْ يُحْسَبْ مِنْهَا. وَقَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى نِيَّةٍ حَتَّى لَوْ حُدَّ بِنِيَّةِ الشُّرْبِ فَظَهَرَ أَنَّهُ حَدَّهُ لِلزِّنَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخْطَأَ مِنْ يَدِهِ الْيُمْنَى إلَى الْيُسْرَى فِي السَّرِقَةِ أَجْزَأَ، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ جَلَدَ رَجُلًا مِائَةً ظُلْمًا فَبَانَ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا سَقَطَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَ رَجُلًا فَبَانَ أَنَّهُ قَاتِلُ أَبِيهِ ا هـ. وَالْأَشْبَهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي صُوَرِ جَلْدِهِ ظُلْمًا، وَأَمَّا مَا قَبْلَهَا فَالْإِجْزَاءُ فِيهِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ الْحَدَّ، فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ أَنَّهُ عَنْ الشُّرْبِ.
المتن: وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الْإِمَامِ، وَشُهُودِهِ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ زَنَى الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَمْ يَنْعَزِلْ، وَيُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ مَنْ وَلِيَ الْحُكْمَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ (وَيُسْتَحَبُّ) عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ سَوَاءٌ أُثْبِتَ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ بِالْإِقْرَارِ (حُضُورُ الْإِمَامِ، وَ) حُضُورُ (شُهُودِهِ) أَيْ: الزِّنَا إنْ ثَبَتَ بِهِمْ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنَّهُ قَالَ بِوُجُوبِ حُضُورِهِمْ. لَنَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ الْغَامِدِيَّةَ وَمَاعِزًا وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا، وَقَالَ لِأُنَيْسٍ: {فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا}، وَلَمْ يَقُلْ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَحْضُرَ، وَلَا قَالَ لَهُ: أَحْضِرْ مَعَكَ جَمْعًا، وَقِيَاسًا عَلَى الْجَلْدِ. وَيُسَنُّ حُضُورُ جَمْعٍ مِنْ الرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَأَقَلُّهُمَا أَرْبَعَةٌ عَدَدُ شُهُودِ الزِّنَا، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ الْإِمَامُ بِالرَّجْمِ، ثُمَّ النَّاسُ إنْ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ بَدَأَ بِهِ الشُّهُودُ ثُمَّ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَتُعْرَضُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ قَبْلَ رَجْمِهِ لِتَكُونَ خَاتِمَةَ أَمْرِهِ، فَإِنْ حَضَرَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُمِرَ بِهَا، وَإِنْ تَطَوَّعَ مُكِّنَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ اسْتَسْقَى مَاءً سُقِيَ، وَإِنْ اسْتَطْعَمَ لَمْ يُطْعَمْ، لِأَنَّ الشُّرْبَ لِعَطَشٍ سَابِقٍ وَالْأَكْلَ لِشِبَعٍ مُسْتَقْبَلٍ.
المتن: وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ
الشَّرْحُ: (وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ) بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِقَدْرِ الْحَدِّ وَكَيْفِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْإِمَامُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد {أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَفِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ {إذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَحُدَّهَا لَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا} بِالْمُثَلَّثَةِ: أَيْ: لَا يُوَبِّخُهَا وَلَا يُعَيِّرُهَا، وَقِيلَ لَا يُبَالِغُ فِي جَلْدِهَا حَتَّى يُدْمِيَهَا، وَيُسَنُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَبِيعَ الْأَمَةَ إذَا زَنَتْ ثَالِثَةً لِخَبَرٍ وَرَدَ بِذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ لِمُشْتَرِيهَا.
المتن: أَوْ الْإِمَامُ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ:
لَوْ كَانَ السَّيِّدُ امْرَأَةً هَلْ تُقِيمُهُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا أَوْ السُّلْطَانُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا أَوَّلُهَا كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ السَّفِيهُ فَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الِاسْتِصْلَاحِ وَالْوِلَايَةِ وَشَمِلَ إطْلَاقُهُ الْحَدَّ حَدَّ الزِّنَا وَبَاقِيَ الْحُدُودِ حَتَّى الْقَطْعِ، وَقَتْلِ الرِّدَّةِ وَالْمُحَارَبَةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ السَّابِقِ، وَلَوْ كَانَ الرَّقِيقُ مُشْتَرَكًا حَدَّهُ مُلَّاكُهُ بِتَوْزِيعِ السِّيَاطِ عَلَى الْمِلْكِ، وَيُفَوِّضُ الْمُنْكَسِرُ إلَى أَحَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهِمْ، وَفِي جَوَازِ إقَامَةِ الْوَلِيِّ مِنْ أَبٍ وَجَدٍّ وَحَاكِمٍ وَوَصِيٍّ وَقَيِّمٍ فِي رَقِيقِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ مِنْ طِفْلٍ وَسَفِيهٍ وَمَجْنُونٍ وَجْهَانِ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ قُلْنَا: الْحَدُّ إصْلَاحٌ فَلَهُ إقَامَتُهُ، أَوْ وِلَايَةٌ فَفِيهِ الْخِلَافُ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ الْجَوَازِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ: وَإِنَّمَا يُقِيمُ السَّيِّدُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُشْكِلُ بِمَا إذَا كَانَ الْمَقْذُوفُ السَّيِّدَ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا لَهُ اسْتِيفَاءَهُ (أَوْ) يَحُدُّهُ (الْإِمَامُ) لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَأَيَّهُمَا فَعَلَ وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَلَكِنَّ السَّيِّدَ أَوْلَى كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ.
المتن: فَإِنْ تَنَازَعَا فَالْأَصَحُّ الْإِمَامُ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: الْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ سَيِّدًا حَالَ إقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِذَا زَنَى الرَّقِيقُ فَبَاعَهُ سَيِّدُهُ كَانَ إقَامَةُ الْحَدِّ لِمُشْتَرِيهِ (فَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالسَّيِّدُ فِي حَدِّ الرَّقِيقِ (فَالْأَصَحُّ) مِنْ احْتِمَالَاتٍ لِلْإِمَامِ يَحُدُّهُ (الْإِمَامُ) الْأَعْظَمُ أَوْ نَائِبُهُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ، وَالثَّانِي السَّيِّدُ لِغَرَضِ إصْلَاحِ مِلْكِهِ. وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ جَلْدًا فَالسَّيِّدُ، أَوْ قَطْعًا أَوْ قَتْلًا فَالْإِمَامُ.
المتن: وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ، وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَحُرٍّ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزَّرُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ فَإِنَّ الْحَدَّ إنَّمَا يُقِيمُهُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا يَوْمَئِذٍ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّقِيقَ لَوْ زَنَى ثُمَّ بَاعَهُ سَيِّدُهُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ حَالَ الزِّنَا فَالْعِبْرَةُ بِحَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ. أُجِيبَ بِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْحَدِّ هُنَا يَثْبُتُ لِلْإِمَامِ أَوَّلًا. وَاسْتِرْقَاقُهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَمْنَعُ اسْتِيفَاؤُهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِسَيِّدِهِ ابْتِدَاءً. وَأَمَّا فِيمَا مَرَّ فَثَبَتَ لِلسَّيِّدِ، وَهُوَ لِلِاسْتِصْلَاحِ، وَلَا وَجْهَ لِإِقَامَةِ الْبَائِعِ الْحَدَّ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ فَصَارَ الِاسْتِيفَاءُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمُشْتَرِي (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ) كَمَا يَجْلِدُهُ لِانْدِرَاجِهِ فِي خَبَرِ {أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَالثَّانِي لَا، لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَارِّ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ الْجَلْدَ فَقَطْ. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ سُكُوتَهُ فِي الْحَدِيثِ لَا يُنَافِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. تَنْبِيهٌ: مُؤْنَةُ تَغْرِيبِ الرَّقِيقِ فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى السَّيِّدِ، وَعَلَيْهِ مُؤْنَتُهُ فِي زَمَنِ التَّغْرِيبِ، وَقِيلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) الزَّانِيَ (الْمُكَاتَبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (كَحُرٍّ) فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا الْإِمَامُ لِخُرُوجِهِ عَنْ قَبْضَةِ السَّيِّدِ بِالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْقِنِّ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ عَجَزَ فُرِّقَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ هَلْ لِلسَّيِّدِ الِاسْتِيفَاءُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ يُعْرَفُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا زَنَى الذِّمِّيُّ ثُمَّ نَقَضَ الْعَهْدَ وَاسْتُرِقَّ. أَمَّا الْمُكَاتَبُ كِتَابَةً فَاسِدَةً فَكَالْقِنِّ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ) السَّيِّدَ (الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ (يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ) لِعُمُومِ {أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ لِغَرَضِ الِاسْتِصْلَاحِ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالثَّانِي لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُقِيمُهُ بِالْوِلَايَةِ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهَا. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ السَّيِّدِ الْمُبَعَّضِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ تَوْجِيهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ بَلْ أَوْلَى وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ: قَضِيَّةُ النَّصِّ الْمَنْعُ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْكَافِرِ إذَا كَانَ عَبْدُهُ كَافِرًا. أَمَّا إذَا كَانَ مُسْلِمًا فَلَيْسَ لَهُ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهِ بِحَالٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ كَجٍّ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ) رَقِيقَهُ. وَالثَّانِي لَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْبُوطٍ، فَاخْتُصَّ بِالْإِمَامِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. أَمَّا حُقُوقُ نَفْسِهِ، وَكَذَا حُقُوقُ غَيْرِهِ فَيَسْتَوْفِيهَا قَطْعًا (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ السَّيِّدَ (يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ) عَلَى رَقِيقِهِ (بِالْعُقُوبَةِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إقَامَةَ الْحَدِّ فَمَلَكَ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ بِهِ كَالْإِمَامِ. وَالثَّانِي لَا، لِأَنَّ سَمَاعَهَا مُخْتَصٌّ بِالْحُكَّامِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ النَّظَرُ فِي تَزْكِيَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا بُدَّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ عِلْمِهِ بِصِفَاتِ الشُّهُودِ وَأَحْكَامِ الْحُدُودِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِغَيْرِهَا، فَلَوْ سَمِعَ الْبَيِّنَةَ بِزِنَاهُ عَالِمًا بِأَحْكَامِهَا، أَوْ قَضَى بِمَا شَاهَدَهُ مِنْ زِنَاهُ جَازَ، وَخَرَجَ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِأَحْكَامِ الْبَيِّنَةِ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهَا فَلَا يَسْمَعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِسَمَاعِهَا، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ وَالْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ وَالْمَرْأَةِ سَمَاعُهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِسَمَاعِهَا، فَلَا يَحُدُّونَ بِبَيِّنَةٍ بَلْ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِمُشَاهَدَةٍ مِنْهُمْ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَخْتَصَّ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَجُرْحُهَا وَتَعْدِيلُهَا بِالرَّجُلِ الْعَدْلِ لَا مُطْلَقًا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ السَّيِّدَ هُنَا بَعْدَ ذِكْرِهِ الْكَافِرَ وَالْمُكَاتَبَ يُوهِمُ طَرْدَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ بِاعْتِبَارِ الْأَهْلِيَّةِ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى هَذَا فَيَخْرُجُ الْفَاسِقُ وَالْمُكَاتَبُ ا هـ. وَقَالَ شَيْخِي: الْمُرَادُ بِكَوْنِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَنْ يَعْرِفَ أَحْكَامَ الْحُدُودِ وَصِفَاتِ الشُّهُودِ، وَعَلَى هَذَا فَيَسْمَعُهَا الْفَاسِقُ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. تَنْبِيهٌ: هَلْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَوَلَّى لِعَانَ عَبْدِهِ فِيمَا إذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ الْمَمْلُوكَةَ لِسَيِّدِهِ بِأَنْ يُلَاعِنَ بَيْنَهُمَا؟ وَجْهَانِ: أَظْهَرُهُمَا الْجَوَازُ كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ.
المتن: وَالرَّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَقِيلَ يُؤَخَّرُ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ
الشَّرْحُ: ثُمَّ أَخَذَ فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ وَالْآلَةِ الَّتِي يُرْجَمُ بِهَا فَقَالَ (وَالرَّجْمُ) لِلْمُحْصَنِ إلَى مَوْتِهِ (بِمَدَرٍ) أَيْ: طِينٍ مُتَحَجِّرٍ (وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ) أَيْ: مِلْءَ الْكَفِّ كَمَا اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، لَا بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ لِئَلَّا يَطُولَ تَعْذِيبُهُ، وَلَا بِصَخْرَاتٍ تُذَفِّفُهُ فَيَفُوتُ التَّنْكِيلُ الْمَقْصُودُ: كَذَا قَالَاهُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ، وَنَازَعَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَالَ يُرْمَى بِالْخَفِيفِ وَالثَّقِيلِ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِدُهُ الرَّامِي وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَالِاخْتِيَارُ فِي حَجَرِ الرَّمْيِ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْكَفِّ. تَنْبِيهٌ: جَمِيعُ بَدَنِ الْمُحْصَنِ. مَحَلٌّ لِلرَّجْمِ الْمُقَاتَلِ وَغَيْرِهَا، لَكِنْ يَخْتَارُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنْ يَتَوَقَّى الْوَجْهَ، وَيَكُونَ مَوْقِفُ الرَّامِي بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ عَنْهُ فَيُخْطِئَهُ وَلَا يَدْنُو مِنْهُ فَيُؤْلِمَهُ. قَالَ: وَالْأَوْلَى لِمَنْ حَضَرَ أَنْ يَرْجُمَهُ إنْ رُجِمَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَنْ يَمْسِكَ عَنْهُ إنْ رُجِمَ بِالْإِقْرَارِ. قَالَ: وَيَنْبَغِي: أَيْ: يَجِبُ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَةَ الرَّجُلِ وَجَمِيعَ بَدَنِ الْحُرَّةِ عِنْدَ الرَّجْمِ، وَلَا يُرْبَطُ وَلَا يُقَيَّدُ (وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ) عِنْدَ رَجْمِهِ سَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَمْ بِإِقْرَارٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، وَفَصَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ، فَيُسَنُّ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ حُفْرَةٌ يَنْزِلُ فِيهَا إلَى وَسَطِهِ لِتَمْنَعَهُ مِنْ الْهَرَبِ، أَوْ بِإِقْرَارٍ فَلَا يُسَنُّ (وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ) أَيْ الْحَفْرِ (لِلْمَرْأَةِ) إلَى صَدْرِهَا (إنْ ثَبَتَ) زِنَاهَا (بِبَيِّنَةٍ) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ، وَالظَّاهِرُ مِنْ الشُّهُودِ عَدَمُ الرُّجُوعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ لِيُمْكِنَهَا الْهَرَبُ إنْ رَجَعَتْ. وَالثَّانِي يُحْفَرُ لَهَا مُطْلَقًا فَقَدْ ثَبَتَ الْحَفْرُ فِي قِصَّةِ الْغَامِدِيَّةِ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ مُقِرَّةً. وَأَجَابَ الْأَوَّلُ: بِأَنَّ ذَلِكَ فُعِلَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ (وَلَا يُؤَخَّرُ) الرَّجْمُ (لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ) سَوَاءٌ أَثَبَتَ زِنَاهُ بِبَيِّنَةٍ أَمْ بِإِقْرَارٍ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّحِيحِ (وَقِيلَ يُؤَخَّرُ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ) كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ رُجُوعُهُ لِلنَّدْبِ إلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَقْتَضِي وُجُوبَ التَّأْخِيرِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ: وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ هُنَا وَتَعَرَّضُوا لَهُ فِي الْجَلْدِ ا هـ. وَيَجِبُ التَّأْخِيرُ فِي صُورَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا الْحَامِلُ، فَتُؤَخَّرُ إلَى الْوَضْعِ وَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًا أَمْ مِنْ غَيْرِهِ. الثَّانِيَةُ: إذَا أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ جُنَّ لَا يُحَدُّ فِي جُنُونِهِ بَلْ يُؤَخَّرُ حَتَّى يُفِيقَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ جُنَّ، قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الرِّدَّةِ.
المتن: وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ لِمَرَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ بَلْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ، فَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَسُّهُ الْأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ، فَإِنْ بَرَأَ أَجْزَأَهُ.
الشَّرْحُ: (وَيُؤَخَّرُ الْجَلْدُ) وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ غَالِبًا (لِمَرَضٍ) يُرْجَى بُرْؤُهُ، كَالْحُمَّى وَالصُّدَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الرَّدْعُ لَا الْقَتْلُ، وَقَدْ يُفْضِي الْجَلْدُ حِينَئِذٍ إلَى الْقَتْلِ. تَنْبِيهٌ: فِي مَعْنَى الْمَرَضِ النِّفَاسُ: وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ أَوْ ضَرْبٌ وَكَذَا الْحَامِلُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ) مِنْهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كَانَ نِضْوًا (جُلِدَ) وَلَا يُؤَخَّرُ إذْ لَا غَايَةَ تُنْتَظَرُ، لَكِنْ (لَا بِسَوْطٍ) لِئَلَّا يَهْلِكَ (بَلْ بِعِثْكَالٍ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْبَلَحُ بِمَنْزِلَةِ الْعُنْقُودِ مِنْ الْكَرْمِ (عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ) وَهِيَ الشَّمَارِيخُ يُضْرَبُ بِهِ مَرَّةً إذَا كَانَ حُرًّا. لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ: أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ اشْتَكَى حَتَّى أَضْنَى فَعَادَ جِلْدُهُ عَلَى عَظْمِهِ فَوَقَعَ عَلَى جَارِيَةٍ لِبَعْضِهِمْ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ شِمْرَاخًا فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً (فَإِنْ كَانَ) عَلَيْهِ (خَمْسُونَ) غُصْنًا (ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ) لِتَكْمُلَ الْمِائَةُ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا ضُرِبَ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ. تَنْبِيهٌ: الْعِثْكَالُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا. وَيُقَالُ عُثْكُولٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِثْكَالٌ بِإِبْدَالِهَا هَمْزَةً مَعَ ضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَلَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى شِمْرَاخِ النَّخْلِ مَا دَامَ رَطْبًا. أَمَّا إذَا يَبِسَ فَهُوَ عُرْجُونٌ، وَلَا يَتَعَيَّنُ الْعِثْكَالُ بَلْ يُضْرَبُ بِهِ أَوْ بِالنِّعَالِ أَوْ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَإِنْ نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الضَّرْبِ بِالنِّعَالِ (وَتَمَسُّهُ) أَيْ: الْمَجْلُودَ (الْأَغْصَانُ) جَمِيعُهَا (أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ) لِئَلَّا تَبْطُلَ حِكْمَةُ الْحَدِّ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ اكْتَفَوْا فِي الْأَيْمَانِ بِالضَّرْبِ غَيْرِ الْمُؤْلِمِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ، وَالضَّرْبُ غَيْرُ الْمُؤْلِمِ يُسَمَّى ضَرْبًا، وَالْحُدُودُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الزَّجْرِ، وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِيلَامِ (فَإِنْ بَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمَجْلُودُ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ بِمَا ذُكِرَ (أَجْزَأَهُ) الضَّرْبُ بِهِ وَلَا يُعَادُ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَعْضُوبُ إذَا حَجَّ عَنْهُ ثُمَّ شُفِيَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُدُودَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الدَّرْءِ، فَإِنْ بَرِئَ قَبْلَ ذَلِكَ حُدَّ حَدَّ الْأَصِحَّاءِ، أَوْ فِي الْأَثْنَاءِ كَمُلَ حَدُّ الْأَصِحَّاءِ، وَاعْتَدَّ بِمَا مَضَى كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَدَرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقِيَامِ فَلَوْ ضُرِبَ بِمَا ذُكِرَ مَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ فَبَرَأَ لَمْ يُجْزِهِ، وَيُخَيَّرُ مَنْ لَهُ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى مَرِيضٍ بَيْنَ الضَّرْبِ بِعِثْكَالٍ وَنَحْوِهِ وَبَيْنَ الصَّبْرِ إلَى بُرْئِهِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ، وَقِيلَ يُجْلَدُ بِالسِّيَاطِ، سَوَاءٌ أُرْجِيَ بُرْؤُهُ أَمْ لَا، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُضَايَقَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، وَأَسْقَطَهُ ابْنُ الْمُقْرِي هُنَاكَ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: إنَّهُ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ.
المتن: وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَإِذَا جَلَدَ الْإِمَامُ فِي مَرَضٍ أَوْ حَرٍّ وَبَرْدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ.
الشَّرْحُ: (وَلَا جَلْدَ فِي) مَرَضٍ أَوْ (حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ) أَيْ: شَدِيدَيْنِ، بَلْ يُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ وَاعْتِدَالِ الْوَقْتِ خَشْيَةَ الْهَلَاكِ، وَكَذَا الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ كَانَ فِي بِلَادٍ لَا يَنْفَكُّ حَرُّهَا أَوْ بَرْدُهَا لَمْ يُؤَخَّرْ وَلَمْ يُنْقَلْ إلَى الْبِلَادِ الْمُعْتَدِلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: لِمَا فِيهِ. تَأْخِيرُ الْحَدِّ وَلُحُوقُ الْمَشَقَّةِ، وَقُوبِلَ إفْرَاطُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِتَخْفِيفِ الضَّرْبِ لِيَسْلَمَ مِنْ الْقَتْلِ كَمَا فِي الْمَرَضِ الْمُلَازِمِ (وَإِذَا جَلَدَ الْإِمَامُ فِي مَرَضٍ أَوْ حَرٍّ وَبَرْدٍ) مُفْرِطَيْنِ فَمَاتَ الْمَجْلُودُ سِرَايَةً (فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ) فِي الْأُمِّ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ وَاجِبٍ أُقِيمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ خَتَنَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطٍ ضَمِنَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ؟. أُجِيبَ بِأَنَّ الْجَلْدَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَالْخِتَانَ بِالِاجْتِهَادِ فَأَشْبَهَ التَّعْزِيرَ، وَاقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْمَرَضِ قَدْ يُشْعِرُ بِوُجُوبِهِ إذَا كَانَ الزَّانِي نِضْوَ الْخَلْقِ لَا يَحْتَمِلُ السِّيَاطَ فَجَلَدَهُ بِهَا فَمَاتَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: لِأَنَّ جَلْدَ مِثْلِهِ بِالْعُثْكَالِ لَا بِالسِّيَاطِ، وَحُكِيَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَدَمُ الضَّمَانِ، وَخَرَجَ بِالْإِمَامِ السَّيِّدُ فَلَا يَضْمَنُ رَقِيقَهُ جَزْمًا (فَيَقْتَضِي) نَصُّ الْأُمِّ (أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ) وَهُوَ مَا قَالَ الْإِمَامُ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِالضَّمَانِ أَمْ لَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ فِي الْحَاوِي وَالْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا. خَاتِمَةٌ: لِلْمَقْتُولِ حَدًّا بِالرَّجْمِ أَوْ غَيْرِهِ حُكْمُ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غُسْلٍ وَتَكْفِينٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهَا كَتَارِكِ الصَّلَاةِ إذَا قُتِلَ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْجُهَنِيَّةِ، وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَامِدِيَّةِ وَدَفَنَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ صَلَّى هُوَ عَلَيْهَا أَيْضًا. .
المتن: شَرْطُ حَدِّ الْقَذْفِ: التَّكْلِيفُ
الشَّرْحُ: كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ وَهُوَ بِمُعْجَمَةٍ (لُغَةً: الرَّمْيُ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الرَّمْيُ بِالزِّنَا فِي مَعْرَضِ التَّعْيِيرِ) لِيُخْرِجَ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا فَلَا حَدَّ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ دُونَ أَرْبَعَةٍ كَمَا سَيَأْتِي، وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوبِقَاتِ، فَفِي الْحَدِيثِ {مِنْ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ} سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {قَذْفُ الْمُحْصَنَةِ يُحْبِطُ عَمَلَ مِائَةِ سَنَةٍ}، وَاسْتَغْنَى الْمُصَنِّفُ بِبَيَانِ الْقَذْفِ فِي اللِّعَانِ عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا. وَالْحَدُّ شَرْعًا: عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ وَجَبَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الزِّنَا، أَوْ لِآدَمِيٍّ كَمَا فِي الْقَذْفِ. وَسُمِّيَتْ الْحُدُودُ حُدُودًا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَدَّهَا وَقَدَّرَهَا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدَّ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ، وَهِيَ تَمْنَعُ مِنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَوَاحِشِ. وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةَ، وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ بَرَاءَةُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا جَلَدَ مَنْ قَذَفَهَا. وَالْحِكْمَةُ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْقَذْفِ دُونَ التَّسَابٍّ بِالْكُفْرِ أَنَّ الْمَسْبُوبَ بِالْكُفْرِ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ ذَلِكَ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَتَيْنِ، بِخِلَافِ الزَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى نَفْيِ الزِّنَا عَنْهُ.
المتن: إلَّا السَّكْرَانَ الِاخْتِيَارُ، وَيُعَزَّرُ الْمُمَيِّزُ، وَلَا يُحَدُّ بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ.
الشَّرْحُ: وَلِلْقَاذِفِ شُرُوطٌ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّف بِقَوْلِهِ (شَرْطُ حَدِّ الْقَاذِفِ) أَيْ: الْمَحْدُودِ بِسَبَبِ الْقَذْفِ (التَّكْلِيفُ) فَلَا حَدَّ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُمَا، وَعَدَم حُصُولِ الْإِيذَاءِ بِقَذْفِهِمَا، وَزَادَ عَلَى الْمُحَرَّرِ قَوْلَهُ (إلَّا السَّكْرَانَ) فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى عِنْدَهُ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَمَعَ ذَلِكَ يُحَدُّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ، هَذَا وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ (وَالِاخْتِيَارُ) فَلَا حَدَّ عَلَى مُكْرَهٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْأَذَى بِذَلِكَ لِإِجْبَارِهِ عَلَيْهِ، وَلَا عَلَى مُكْرِهٍ بِكَسْرِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَتْلِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ جَعْلُ يَدِ الْمُكْرَهِ كَالْآلَةِ لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ يَدَهُ فَيَقْتُلُ بِهَا، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْخُذَ لِسَانَ غَيْرِهِ فَيَقْذِفُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: سَكَتَ عَنْ شُرُوطٍ أُخَرَ، وَهِيَ الْتِزَامُ الْأَحْكَامِ، وَالْعِلْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَعَدَمُ إذْنِ الْمَقْذُوفِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ أَصْلٍ، فَلَا حَدَّ عَلَى حَرْبِيٍّ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ الْأَحْكَامَ، وَلَا جَاهِلٍ بِالتَّحْرِيمِ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ، أَوْ بُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِإِذْنِهِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، وَإِنْ ادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّ الْجَمَاهِيرَ أَجْمَعُوا عَلَى حَدِّهِ، كَمَا لَوْ قَالَ اقْطَعْ يَدِي فَقَطَعَهَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهَا، وَلَا عَلَى أَصْلٍ: كَمَا سَيَأْتِي، وَيَسْقُطُ أَيْضًا حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ الْقَاذِفِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِزِنَا الْمَقْذُوفِ وَبِإِقْرَارِهِ وَبِعَفْوِهِ وَبِاللِّعَانِ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ (وَيُعَزَّرُ) الْقَاذِفُ (الْمُمَيِّزُ) مِنْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ، فَإِنْ لَمْ يُعَزَّرْ الصَّبِيُّ حَتَّى بَلَغَ سَقَطَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِلزَّجْرِ وَالتَّأْدِيبِ، وَقَدْ حَدَثَ سَبَبٌ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ التَّكْلِيفُ كَمَا قَالَاهُ فِي اللِّعَانِ، وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَكُونَ الْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ كَذَلِكَ (وَلَا يُحَدُّ) الْأَصْلُ وَلَوْ أُنْثَى (بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ) كَمَا لَا يُقْتَلُ بِهِ. تَنْبِيهٌ: اقْتِصَارُهُ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعَزَّرُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلْإِيذَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالُوا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ: إنَّ الْأَصْلَ لَا يُحْبَسُ فِي وَفَاءِ دَيْنِ فَرْعِهِ مَعَ أَنَّ الْحَبْسَ تَعْزِيرٌ. أُجِيبَ بِأَنَّ حَبْسَهُ لِلدَّيْنِ قَدْ يَطُولُ زَمَنُهُ فَيَشُقَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ هُنَا فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِقِيَامٍ مِنْ مَجْلِسٍ وَنَحْوِهِ وَحَيْثُ ثَبَتَ فَهُوَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا لِحَقِّ الْوَلَدِ، وَكَمَا لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ وَلَدِهِ لَا يُحَدُّ بِقَذْفِ مَنْ وَرِثَهُ الْوَلَدُ وَلَمْ يُشَارِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَ امْرَأَةً لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ ثُمَّ مَاتَتْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ابْتِدَاءٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ انْتِهَاءٌ كَالْقِصَاصِ، فَإِنْ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ كَأَنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَسْتَوْفِيهِ جَمِيعَهُ. فَرْعٌ: قَالَ فِي الْحَاوِي فِي بَابِ اللِّعَانِ: لَوْ قَالَ لِابْنِهِ أَنْتَ وَلَدُ زِنًا كَانَ قَاذِفًا لِأُمِّهِ. قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ بَحْثًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهَا عَلَى نَقْلٍ، وَزَادَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِلْمَشْتُومِ. قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: لَوْ قَذَفَ شَخْصٌ آخَرَ فِي خَلْوَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ وَالْحَفَظَةُ لَمْ يَكُنْ كَبِيرَةً مُوجِبَةً لِلْحَدِّ لِخُلُوِّهِ عَنْ مَفْسَدَةِ الْإِيذَاءِ، وَلَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ إلَّا عِقَابَ مَنْ كَذَبَ كِذْبًا لَا ضَرَرَ فِيهِ. فَائِدَةٌ: اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ الْغَيْبَةَ بِالْقَلْبِ إذَا أَدْرَكَهَا الْمَلَكَانِ الْحَافِظَانِ كَمَا لَوْ تَلَفَّظَ بِهَا وَيُدْرِكَانِ ذَلِكَ بِالشَّمِّ، وَلَعَلَّ هَذَا فِيمَا إذَا صَمَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا فَمَا يَخْطِرُ عَلَى الْقَلْبِ مَغْفُورٌ، وَإِذَا عُرِفَ شَرْطُ حَدِّ الْقَذْفِ.
المتن: فَالْحُرُّ ثَمَانُونَ، وَالرَّقِيقُ أَرْبَعُونَ.
الشَّرْحُ: (فَالْحُرُّ) الْقَاذِفُ حَدُّهُ (ثَمَانُونَ) جَلْدَةً الْآيَةَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} إذْ الْمُرَادُ فِيهَا الْأَحْرَارُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ (وَالرَّقِيقُ) الْقَاذِفُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُبَعَّضُ حَدُّ كُلٍّ مِنْهُمْ (أَرْبَعُونَ) جَلْدَةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَذَا مِنْ أَمْثِلَةِ تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ بِالْإِجْمَاعِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ كَوْنِ حَدِّهِ أَرْبَعِينَ إذَا قَذَفَ فِي حَالِ رِقِّهِ، فَلَوْ قَذَفَ وَهُوَ حُرٌّ مُلْتَزِمٌ ثُمَّ الْتَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَاسْتُرِقَّ فَحَدُّهُ ثَمَانُونَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْقَذْفِ.
المتن: وَ الْمَقْذُوفِ: الْإِحْصَانُ وَسَبَقَ فِي اللِّعَانِ.
الشَّرْحُ: (وَ) شَرْطُ (الْمَقْذُوفِ) أَيْ: الَّذِي يُحَدُّ قَاذِفُهُ (الْإِحْصَانُ) أَيْ كَوْنُهُ مُحْصَنًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} فَقَيَّدَ إيجَابَ الثَّمَانِينَ بِذَلِكَ (وَسَبَقَ فِي) كِتَابِ (اللِّعَانِ) بَيَانُ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِحْصَانُ، وَبَيَانُ شَرْطِ الْمَقْذُوفِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِهِ هُنَا.
المتن: وَلَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِزِنًا حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ) (شَهِدَ) فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ (دُونَ أَرْبَعَةٍ) مِنْ الرِّجَالِ (بِزِنًا) (حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ، وَلِئَلَّا يَتَّخِذَ صُورَةَ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُمْ جَاءُوا شَاهِدِينَ لَا هَاتِكِينَ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا شَهِدُوا فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي. أَمَّا لَوْ شَهِدُوا فِي غَيْرِهِ فَقَاذِفُونَ جَزْمًا وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.
المتن: وَكَذَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَكَفَرَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ:
فَرْعٌ: لَوْ شَهِدَ الزَّوْجُ بِزِنَا زَوْجَتِهِ كَانَ قَاذِفًا لَهَا فَيُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِزِنَاهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ لِلتُّهْمَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ شَهِدَ عَلَيْهَا دُونَ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ (وَكَذَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَكَفَرَةٍ) أَهْلِ ذِمَّةٍ فَإِنَّهُمْ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ يُحَدُّونَ (عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يَقْصِدُوا إلَّا الْقَذْفَ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِي حَدِّهِمْ الْقَوْلَانِ تَنْزِيلًا لِنَقْصِ الصِّفَةِ مَنْزِلَةَ نَقْصِ الْعَدَدِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ إذَا كَانُوا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ ثُمَّ بَانُوا كُفَّارًا أَوْ عَبِيدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ حَالَهُمْ لَا يُصْغِي إلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ قَذْفًا مَحْضًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْرِضِهِ شَهَادَةٌ.
المتن: وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ فَلَا، وَلَوْ تَقَاذَفَا فَلَيْسَ تَقَاصًّا.
الشَّرْحُ: فُرُوعٌ: لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ بِفِسْقٍ وَلَوْ مَقْطُوعًا بِهِ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَمْ يُحَدُّوا وَفَارِقُ مَا مَرَّ فِي نَقْصِ الْعَدَدِ بِأَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِسْقُهُمْ إنَّمَا يُعْرَفُ بِالظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ، وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِالزِّنَا فَحُدُّوا وَعَادُوا مَعَ رَابِعٍ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ كَالْفَاسِقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا لَمْ تُقْبَلْ، وَلَوْ شَهِدَ بِالزِّنَا عَبِيدٌ وَحُدُّوا فَعَادُوا بَعْدَ الْعِتْقِ قُبِلَتْ لِعَدَمِ اتِّهَامِهِمْ، وَلَوْ شَهِدَ بِهِ خَمْسَةٌ. فَرَجَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِ لَمْ يُحَدَّ لِبَقَاءِ النِّصَابِ، أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ حُدَّا لِأَنَّهُمَا أَلْحَقَا بِهِ الْعَارَ دُونَ الْبَاقِينَ لِتَمَامِ النِّصَابِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرِهِمْ، وَلَوْ رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ حُدَّ وَحْدَهُ دُونَ الْبَاقِينَ لِمَا ذُكِرَ (وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ) بِزِنًا (فَلَا) حَدَّ عَلَيْهِ جَزْمًا، لِأَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: قَدْ أَقْرَرْت بِأَنَّكَ زَنَيْتَ وَهُوَ فِي مَعْرِضِ الْقَذْفِ وَالتَّعْيِيرِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، فَكَذَا هُنَا. تَنْبِيهٌ: شَاهِدُ الْجُرْحِ بِالزِّنَا لَيْسَ بِقَاذِفٍ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ كَمَا صَوَّبَهُ الْمُصَنِّفُ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ حَيْثُ جَعَلَ عَدَمَ مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ كَنَقْصِ الْعَدَدِ (وَلَوْ تَقَاذَفَا) أَيْ قَذَفَ كُلٌّ مِنْ شَخْصَيْنِ صَاحِبَهُ (فَلَيْسَ) ذَلِكَ (تَقَاصًّا) فَلَا يَسْقُطُ حَدُّ هَذَا لِحَدِّ هَذَا، بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَحُدَّ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ التَّقَاصَّ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَالْحَدَّانِ لَا يَتَّفِقَانِ فِي الصِّفَةِ، إذْ لَا يُعْلَمُ التَّسَاوِي لِاخْتِلَافِ الْقَاذِفِ وَالْمَقْذُوفِ فِي الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ وَالْخِلْقَةِ غَالِبًا.
المتن: وَلَوْ اسْتَقَلَّ الْمَقْذُوفُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ اسْتَقَلَّ الْمَقْذُوفُ بِالِاسْتِيفَاءِ) لِلْحَدِّ مِنْ قَاذِفِهِ وَلَوْ بِإِذْنِهِ (لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعَ) عَلَى الصَّحِيحِ، لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ مِنْ مَنْصِبِ الْإِمَامِ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُحَدَّ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى لَوْ قَذَفَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ فَلَهُ أَنْ يَحُدَّهُ كَمَا صَرَّحَا بِهِ آخِرَ بَابِ الزِّنَا وَالثَّانِيَةُ إذَا بَعُدَ عَنْ السُّلْطَانِ فِي بَادِيَةٍ وَقَدَرَ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَجَاوُزٍ جَازَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. خَاتِمَةٌ: إذَا سَبَّ إنْسَانٌ إنْسَانًا جَازَ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَسُبَّ السَّابَّ بِقَدْرِ مَا سَبَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسُبَّ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ. وَرُوِيَ أَنَّ زَيْنَبَ لَمَّا سَبَّتْ عَائِشَةَ {قَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبِّيهَا} كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ {دُونَكِ فَانْتَصِرِي فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهَا حَتَّى يَبِسَ رِيقُهَا فِي فِيهَا فَتَهَلَّلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} وَإِنَّمَا يَجُوزُ السَّبُّ بِمَا لَيْسَ كَذِبًا وَلَا قَذْفًا كَقَوْلِهِ: يَا ظَالِمُ يَا أَحْمَقُ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ ذَلِكَ، وَإِذَا انْتَصَرَ بِسَبِّهِ فَقَدْ اسْتَوْفَى ظِلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إثْمُ الِابْتِدَاءِ أَوْ الْإِثْمُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى ظَالِمِهِ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إلَّا مَنْ ظُلِمَ} قَالَ بِأَنْ يُخْبِرَ عَنْ ظُلْمِ ظَالِمِهِ وَيَدْعُوَ عَلَيْهِ ا هـ. وَيُخَفَّفَ عَنْ الظَّالِمِ بِدُعَاءِ الْمَظْلُومِ، لِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ لِيَظْلِمَ مَظْلَمَةً، فَلَا يَزَالُ الْمَظْلُومُ يَشْتِمُ الظَّالِمَ وَيُنْقِصُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ اسْتَنْصَرَ} وَفِي كِتَابِ اللَّطَائِفِ لِلْقَاضِي أَبِي يُوسُفَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ صَوَّامَةً قَوَّامَةً سَرَقَتْ لَهَا امْرَأَةٌ دَجَاجَةً فَنَبَتَ رِيشُ الدَّجَاجَةِ فِي وَجْهِ السَّارِقَةِ وَعَجَزُوا عَنْ إزَالَتِهِ عَنْ وَجْهِهَا فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ بَعْضَ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالُوا لَا يَزُولُ هَذَا الرِّيشُ إلَّا بِدُعَائِهَا عَلَيْهَا، قَالَ فَأَتَتْهَا عَجُوزٌ وَذَكَّرَتْهَا بِدَجَاجَتِهَا فَلَمْ تَزَلْ بِهَا إلَى أَنْ دَعَتْ عَلَى سَارِقِهَا دَعْوَةً فَسَقَطَ مِنْ وَجْهِهَا رِيشَةٌ فَلَمْ تَزَلْ تُكَرِّرُ ذَلِكَ حَتَّى سَقَطَ جَمِيعُ الرِّيشِ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّحْلِيلِ مِنْ الظُّلَامَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَيْ: هَلْ الْأَفْضَلُ التَّحْلِيلُ أَوْ لَا؟ فَكَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ لَا يُحَلِّلُ أَحَدًا مِنْ عِرْضٍ وَلَا مَالٍ، وَكَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَابْنُ سِيرِينَ يُحَلِّلَانِ مِنْهُمَا، وَرَأَى مَالِكٌ التَّحْلِيلَ مِنْ الْعِرْضِ دُونَ الْمَالِ، وَلَوْ سَمِعَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَقُولُ زَنَيْتُ بِرَجُلٍ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ مَجْهُولٌ وَلَا يُطَالِبُهُ بِتَعْيِينِهِ لِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ سَمِعَهُ يَقُولُ زَنَى فُلَانٌ لَزِمَهُ أَنْ يَعْلَمَ الْمَقْذُوفَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَعَلَى الْإِمَامِ إعْلَامُهُ كَمَا لَوْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَهُ مَالٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ.
|